هناك رجال يُولدون للقتال، وآخرون يُولدون لقيادة الفرق إلى المجد، ثم هناك غرايم سونيس، الذي جمع بين الاثنين. لاعب وسط لا يعرف الرحمة، ومدرب عنيد قراراته كانت أشبه بالسيف القاطع، وشخصية صنعت لنفسها مسارًا لا يشبه أي شخص آخر في كرة القدم. هذه هي قصة الرجل الذي فرض احترامه على الجميع، سواء أحبوه أم كرهوه.
المقاتل الذي لا يُهزم
البداية من الظل
وُلد غرايم سونيس في 6 مايو 1953 في إدنبرة، اسكتلندا. كأي طفل يعشق الكرة، كان حلمه أن يصبح لاعبًا محترفًا، لكن ما لم يكن أحد يتوقعه هو أن هذا الفتى الصغير سيصبح أحد أكثر اللاعبين شراسةً وتأثيرًا في تاريخ كرة القدم.
انضم إلى توتنهام هوتسبير في بداية مسيرته عام 1970، لكنه لم يحصل على فرصة حقيقية هناك. لم يكن الشاب الأسكتلندي مستعدًا للانتظار طويلًا، فانتقل إلى ميدلزبره، وهناك بدأ في بناء سمعته كلاعب وسط مقاتل لا يخشى أحدًا، وقائد قادر على تحفيز زملائه وحتى إرهاب خصومه!
عصر الهيمنة مع ليفربول
عام 1978، قرر ليفربول التعاقد مع سونيس، وهنا تحولت مسيرته من مجرد لاعب صلب إلى أسطورة حقيقية.
• كان لاعبًا يجمع بين القوة البدنية والفن التكتيكي، قادرًا على تدمير هجمات الخصم بلمسة واحدة، ثم قيادة هجمة قاتلة بتمريرة دقيقة.
• كان قائداً بالفطرة، لا يخشى الصراخ في وجه زملائه أو حتى التدخل بخشونة لو تطلب الأمر ذلك.
إنجازاته مع ليفربول:
• 3 بطولات دوري أبطال أوروبا (1978، 1981، 1984)
• 5 ألقاب دوري إنجليزي
• 3 كؤوس رابطة إنجليزية
في عام 1984، بعد أن حمل الكأس الأوروبية الثالثة له مع ليفربول، قرر أنه حان وقت المغامرة خارج إنجلترا.
التحدي الإيطالي
انضم إلى سامبدوريا ليصبح أحد أوائل النجوم البريطانيين في الكالتشيو. لم تكن رحلته في إيطاليا طويلة، لكنه ساهم في تحقيق كأس إيطاليا 1985، قبل أن يقرر العودة إلى بلاده لإنهاء مسيرته كلاعب-مدرب مع رينجرز، حيث قادهم لاستعادة هيمنتهم على الدوري الإسكتلندي.
المدرب الصارم والمثير للجدل
سونيس المدرب.. من القمة إلى الهاوية
بعد اعتزاله، لم يكن من الممكن أن يبتعد سونيس عن كرة القدم. كانت شخصيته القيادية تدفعه نحو مقعد المدير الفني، وبالفعل بدأ رحلته كمدرب لرينجرز، حيث قادهم لتحقيق 3 بطولات دوري إسكتلندي.
لكن التحدي الأكبر جاء عندما تولى تدريب ليفربول عام 1991.
العودة إلى ليفربول.. ولكن بقبضة حديدية
عندما عاد إلى ليفربول كمدرب، كان الجميع يتوقع أن يعيد أمجاد الفريق، لكن الأمور لم تسر كما كان يأمل:
• اتخذ قرارات صادمة ببيع بعض نجوم الفريق وتجديد التشكيلة بالكامل.
• حاول فرض أسلوب انضباطي صارم، لكنه اصطدم بلاعبين لم يتقبلوا أسلوبه الحاد.
• خسر دعم الجماهير بعد أن منح مقابلة صحفية مثيرة للجدل في يوم ذكرى كارثة هيلزبره، مما أثار غضب المدينة بأكملها.
رغم أنه فاز بكأس الاتحاد الإنجليزي 1992، إلا أن الفريق بدأ ينهار تدريجيًا تحت قيادته، لينتهي به المطاف مُقالًا في عام 1994.
التنقل بين الأندية وصناعة الجدل
بعد رحيله عن ليفربول، خاض سونيس عدة تجارب تدريبية، وكل تجربة كانت لها قصتها الخاصة:
• غلطة سراي (1995-1996): فاز بالكأس التركية، لكنه أشعل حربًا جماهيرية عندما زرع علم رينجرز في منتصف ملعب فنربخشة!
• ساوثهامبتون (1996-1997): هنا وقع ضحية أغرب خدعة في تاريخ البريميرليغ عندما تعاقد مع علي ديا، لاعب مغمور ادعى أنه ابن عم جورج وياه، ليتبين لاحقًا أنه محتال بالكاد يعرف كيف يركل الكرة!
• بلاكبيرن روفرز (2000-2004): قادهم للفوز بكأس الرابطة الإنجليزية 2002، لكنه دخل في مشاكل مع لاعبيه.
• نيوكاسل يونايتد (2004-2006): كانت هذه محطته الأخيرة كمدرب، حيث دخل في صدامات عديدة مع نجوم الفريق وعلى رأسهم آلان شيرر، لينتهي به الأمر مُقالًا عام 2006.
السيف القاطع في التلفزيون
بعد اعتزاله التدريب، لم يبتعد سونيس عن كرة القدم، بل دخل عالم التحليل التلفزيوني، حيث عمل مع Sky Sports وأصبح أحد أكثر المحللين حدةً وصراحةً.
• لم يكن يتردد في انتقاد اللاعبين واتهامهم بالتخاذل.
• دخل في مشاحنات علنية مع نجوم مثل بول بوجبا وجاك جريليش، متهمًا إياهم بأنهم “لا يلعبون كرة القدم الحقيقية”.
• رغم انتقاداته اللاذعة، كان يحظى باحترام كبير بسبب خبرته وتاريخه الحافل.
الإرث الذي لا يُنسى
سواء كنت تحبه أو تكرهه، لا يمكن إنكار أن غرايم سونيس كان أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في كرة القدم.
• كلاعب، كان أحد أفضل لاعبي الوسط في تاريخ ليفربول.
• كمدرب، رغم نجاحاته وإخفاقاته، كان دائمًا صاحب شخصية قوية لا تعرف الخضوع.
• كمحلل، أصبح واحدًا من أكثر الأصوات تأثيرًا في الإعلام الرياضي.
سونيس لم يكن مجرد لاعب أو مدرب، بل كان محاربًا في كل لحظة. لم يسعَ ليكون محبوبًا، بل سعى لأن يكون محترمًا، وذلك ما حققه بكل تأكيد.