في عالم كرة القدم، هناك لاعبون لا يحتاجون إلى جوائز فردية أو ألقاب كبرى ليُخلّدوا في ذاكرة الجماهير، يكفي أنهم جعلوا اللعبة أكثر سحرًا. أحد هؤلاء هو بابلو آيمار، اللاعب الذي لم يكن يبحث عن الأضواء، لكنه كان قادرًا على خطف الأنظار بلمسة واحدة.
كان فنانًا في الملعب، يلعب كرة القدم كما لو كانت سيمفونية جميلة، بأسلوب أنيق، وبساطة مدهشة. لكنه لم يكن مجرد لاعب موهوب، بل كان الإلهام الأول لأحد أعظم اللاعبين في التاريخ: ليونيل ميسي، الذي لم يُخفِ إعجابه به يومًا.
هذه ليست مجرد قصة لاعب كرة قدم، إنها قصة شغف، حلم، وسحر لا يُنسى.
روزاريو.. حيث وُلد الحلم
وُلد بابلو سيزار آيمار في 3 نوفمبر 1979 في مدينة روزاريو، وهي نفس المدينة التي خرج منها ليونيل ميسي. هناك، في الشوارع، وبين أقدام الأطفال، بدأت أول لمسات السحر.
كان والده يرى فيه شيئًا مميزًا، وعندما طلب منه أحد معلميه أن يركز على الدراسة بدلًا من كرة القدم، أجابه الأب بحسم:
“ابني سيكون لاعب كرة قدم، ولا شيء غير ذلك!”
وفي سن 15 عامًا، كان ريفر بليت قد سمع عن هذا الفتى النحيل ذو المهارات الخارقة، فانضم إلى أكاديمية النادي، حيث بدأت رحلته نحو المجد.
في أواخر التسعينيات، كانت الأرجنتين تعج بالمواهب، لكن حتى وسط كل هؤلاء، تألق اسم آيمار. كان لاعبًا من نوع مختلف، يتحرك بخفة، يراوغ كما لو كان يرقص، ويمرر كما لو كان يرى المستقبل.
قاد ريفر بليت للفوز بالدوري الأرجنتيني عدة مرات، وخلال سنوات قليلة، أصبح أيقونة الفريق. الجميع كان يتحدث عن هذا اللاعب الذي يلعب كرة القدم كما لو كانت لعبة ممتعة، لا مجرد منافسة شرسة.
وبالطبع، لم تستطع أوروبا أن تغض الطرف عن هذه الموهبة.
في 2001، قرر فالنسيا الإسباني كسر القواعد المعتادة والتوقيع مع لاعب أرجنتيني موهوب. لم يكن النادي الإسباني قد فاز بالدوري منذ 30 عامًا، لكن مع وصول آيمار، تغير كل شيء.
كان المدرب رافاييل بينيتيز يصفه قائلًا:
“عندما يكون آيمار في الملعب، فكل شيء يصبح أسهل!”
لكن بينما كانت مسيرته في القمة، كان هناك عدو خفي يخطط لإيقافه—الإصابات.
مع تقدم السنوات، بدأ جسد آيمار يخونه. الإصابات تلاحقه بلا رحمة، تبطئه، وتحرمه من تقديم أفضل ما لديه.
انتقل إلى ريال سرقسطة، ثم إلى بنفيكا البرتغالي، حيث فاز بالدوري، لكنه لم يكن اللاعب نفسه. كان أشبه بفنان فقد ريشته الذهبية، يحاول، لكنه يعلم أن أيام المجد قد ولّت.
المنتخب الأرجنتيني.. الرجل الذي ألهم ميسي
ارتدى آيمار قميص الأرجنتين في كأس العالم 2002 و2006، ولعب إلى جانب أساطير مثل باتيستوتا وريكيلمي، لكنه لم يكن النجم الأول في المنتخب، بل كان المُلهم.
لكن تأثيره الحقيقي لم يكن في عدد الأهداف أو الألقاب، بل في شيء أعظم—إلهامه لأعظم لاعب في التاريخ.
ليونيل ميسي، عندما كان طفلًا، لم يكن يضع صور مارادونا في غرفته، بل كان يضع صورة بابلو آيمار!
قال ميسي في مقابلة قديمة:
“عندما كنت صغيرًا، كنت أشاهد بابلو آيمار وأحلم بأن أكون مثله. كان قدوتي الأولى.”
وعندما أصبح آيمار مساعد مدرب المنتخب الأرجنتيني في 2018، لم يتمالك ميسي نفسه، واحتضنه وكأنه طفل يلتقي ببطل طفولته.
كان ذلك الاعتراف أكبر تكريم يمكن أن يحصل عليه آيمار—أن يكون اللاعب الذي ألهم ميسي ليصبح ما هو عليه اليوم.
في عام 2015، وضع آيمار حدًا لمسيرته الاحترافية، لكن عشاق الكرة الجميلة لم ينسوه. لم يكن أكثر من سجل، ولم يفز بالكرة الذهبية، لكنه كان لاعبًا جعل من كرة القدم فنًا خالصًا.
وبعد اعتزاله، لم يبتعد عن اللعبة، بل قرر أن يُعلم الجيل الجديد كيف تُلعب الكرة بالشغف والسحر، فتولى تدريب منتخب الأرجنتين تحت 17 عامًا، ليواصل نشر فلسفته الخاصة في كرة القدم.
آيمار.. الأسطورة التي لم تحتاج إلى الأرقام
بابلو آيمار لم يكن مجرد لاعب كرة قدم، بل كان فنانًا، يلعب من أجل المتعة، الجمال، والسحر. لم يكن يبحث عن الألقاب الشخصية، بل كان يستمتع بكل لمسة، بكل تمريرة، بكل لحظة على أرض الملعب.
في النهاية، قد لا يتذكره البعض كواحد من أعظم لاعبي جيله، لكنه سيبقى في ذاكرة كل من أحب كرة القدم النقية، الصافية، التي تُلعب من القلب.
لأن آيمار لم يكن مجرد لاعب… كان حلمًا تحقق، وكان قدوةً ألهمت أعظم لاعب في التاريخ.