قصة ماريو بالوتيلي: كوميديا أم مأساة؟
كيف وصل الحال ببالوتيلي لبريشيا؟
"يمكنني كتابة كتاب من 200 صفحة خلال فترتي في إنتر عن علاقتي بماريو، لكن الكتاب لن يكون دراميًا، بل سيكون كوميديا"...كانت هذه كلمات من المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، لكن ربما تكون الكوميديا التي يقصدها هي الكوميديا السوداء، لانهيار مسيرة لاعب موهوب.
عندما كنت أشاهد فيلم أفاتار صاحب الإيرادات القياسية في تاريخ هوليود، كانت هناك مقولة لبطل الفيلم، الجندي جاك سولي وهو يستيقظ ليُحاول إنقاذ شعب نافيي من تدمير البشر.. قال عن نفسه "منبوذ، خائن، غريب، في مكان لا يراه العين".. ربما تنطبق هذه الكلمات على بالوتيلي على أهم محطات مسيرته، منبوذ في مانشستر سيتي، خائن للإنتر، غريب عن ليفربول، في مكان لا يراه العين في فرنسا!
عن بالوتيلي قال بيرلو في كتابه "أنا أفكر أن ألعب" إنه كان يعتقد أن ماريو بإمكانه أن يصبح لاعبًا عظيمًا، لكن المحصلة مخجلة بكل أسف.
بالوتيلي هو مثال حي لكيف يمكن لشخص ما أن يهدر موهبته، فالأندية الأوربية رفضت كلها تقريبا ضمه في الميركاتو الفائت، إلى أن استقر في بريشيا في هبوط صارخ لمسيرته.
ربما تكون نشأة بالوتيلي كطفل هي السبب في ما وصلت لها مسيرته، فقد عانى من هجران أبويه الحقيقيين.
تسأل كيف وصل به الحال لبريشيا حتى لو والدته "غير الحقيقية" بكت فرحًا لأنه عاد لمدينته؟! فقد عاد من الباب الصغير، بسبب إهماله في موهبته، وتراخيه في صونها.
في يناير 2009 وهو في بداية مسيرته مع الإنتر عاقبه مورينيو لأنه متراخي في التدريبات وقال "لا يمكن لصبي أن يسمح لنفسه بالتدريب أقل من لاعبين مثل فيجو وزانيتي".
مورينيو أيضًا عانى من تراخي اللاعب في المباريات، فقيمه بأنه أقل من الصفر في نفس العام بعد تعادل للإنتر أمام روما، وفي العام التالي ألقى قميص الإنتر على الأرض عقب ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال أمام برشلونة 2010 بعد صافرة النهاية ردًا على هجوم مشجعي الإنتر.
في مانشستر سيتي واصل عدم الانضباط وفي عام 2012 تلقى 4 بطاقات حمراء في موسم واحد، ما جعل روبرتو مانشيني يفقد صبره معه، وعنفه أكثر من مرة، ومازلنا نتذكر مباراة ودية للسيتي في أمريكا وهو يُهدر فرصة باستعراض، جعلت مانشيني يسحبه فورًا.
الناس العاديون يعالجون الملل عن طريق القيام بأشياء طبيعية، لكن ماريو بالوتيلي عالج الملل من خلال إشعال النار في منزله بالألعاب النارية.
قيل إنه مُحب لميلان وأن انضمامه لميلان في عام 2013 سيكون بمثابة انطلاقته مع الفريق الذي يُحبه، لكن بالوتيلي مرة أخرى كان هشًا عقليًا، غير محترفًا، فأعطى له ليفربول الفرصة للتعبير عن نفسه بعد رحيل لويس سواريز في موسم 2014/2015.
كانت هذه فترة اضمحلال بكل ما تعنيه الكلمة بالنسبة لليفربول ولبالوتيلي سجل 4 أهداف فقط في 28 مباراة، ولم يكتف بسوء المستوى الفني، ففي مباراة أمام ريال مدريد في دوري الأبطال تعرض بالوتيلي لانتقادات من قبل المدير بريندان رودجرز لقيامه بتبادل القمصان مع مدافع ريال مدريد بيبي عقب نهاية الشوط الأول، قائلاً "إنه شيء لا يحدث هنا ولا يجب أن يحدث هنا".
بعد عودته لميلان بدا من الواضح أن مسيرة بالوتيلي في المستوى الأول لكرة القدم قد ماتت رسميًا بتسجيله هدفًا واحدًا في 20 مباراة في فترته الثانية مع الروسونيري.
نيس.. شريان حياة وفرصة مُهدرة أخرى
مع نيس استعاد بالوتيلي جزء من بريقه وأنهى موسم 2017/2018 برصيد 18 هدفًا في الدوري و26 هدفًا في جميع المسابقات، ليحصل على استدعاء للمنتخب الإيطالي للمرة الأول منذ كأس العالم 2014.
لكن عادت القصة القديمة ومشاكله مع المدربين مرة أخرى وهذه المرة مع مدربه في نيس باتريك فييرا، الذي قال عنه ذا مرة "أحيانًا أرغب بضربه في الحائط أو أعلقه من ملابسه ولكني أتراجع لأنني لست لاعبًا وكل فعل أقوم به سيكون له تأثير وسأندم عليه".
بعد عدم تسجيل أي أهداف في 10 مباريات مع نيس في النصف الأول من الموسم الماضي، سجل المهاجم الإيطالي ثمانية أهداف في 15 مباراة مع مرسيليا، بعد انضمامه إليهم عقب إنهاء عقده مع نادي الريفيرا الفرنسية في يناير الماضي.
وتوقع الجميع أن يبقى في جنوب فرنسا ويواصل تألقه، حتى مالك مارسيليا نفسه فرانك ماكورت كان يطمح لذلك، وقال "نحن سعداء لرؤية أدائه والطريقة التي تم قبوله بها في المجموعة والطريقة التي اندمج بها من خلال أفعاله، وموقفه، وسلوكه على أرض الملعب".
ولكن بعد استقالة المدرب رودي جارسيا في نهاية الموسم الماضي، خرج بالوتيلي من خطط المدرب الجديد أندريه فيلاش بواش، ورغم أن ما قدمه في فرنسا كان جيدًا، لكن أبرز عرض وصل له كان عرضًا من فلامنجو البرازيلي.
وُلد بالوتيلي في باليرمو لكنه نشأ في بريشيا - وقد اعترف بأنه يود إنهاء مسيرته مع النادي - وتحققت الخطوة العاطفية بالنسبة له ولوالدته هذا الصيف، لكنها خطوة إن دلت على شيء في الجانب العملي من كرة القدم فهي العودة للنقطة صفر لموهبة حقيقية. فهل ُينهي ماريو بالوتيلي مسيرته بشيء يُذكر في ماريو ريجامونتي؟!